المواضيع الأخيرة
بحـث
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 322 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 322 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 322 بتاريخ الجمعة نوفمبر 22, 2024 9:22 am
أفضل 10 فاتحي مواضيع
هوائيات | ||||
بدأ الأمر | ||||
هُدهدُ | ||||
دكتور خليل | ||||
هاني | ||||
فارقليط | ||||
طائر السماء | ||||
العقاد الأكدي | ||||
يماني | ||||
حارث |
دخول
سلسلة العلاقات الدولية في الأسلام للشيخ أبو جندل الأزدي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
سلسلة العلاقات الدولية في الأسلام للشيخ أبو جندل الأزدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
الحمد لله الذي خلق خلقه أطواراً, وصرفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزة واقتداراً, وأرسل الرسل إلى المكلفين إعذاراً منه وإنذاراً, فأتم بهم على من اتبع سبيلهم نعمته السابغة, وأقام بهم على من خالف مناهجهم حجته البالغة, فنصب الدليل, وأنار السبيل, وأزاح العلل, وقطع المعاذير, وأقام الحجة, وأوضح المحجة, وقال (هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ) وهؤلاء رسلي (مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فعمهم بالدعوة على ألسنة رسله حجة منه وعدلاً, وخص بالهداية من شاء منهم نعمة وفضلاً, فقيل: نعمة الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقاها باليمين, وقال (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ), وردها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأساً بين العالمين, فهذا فضله وعطاؤه (وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا) ولا فضله بممنون, وهذا عدله وقضاؤه فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون فسبحان من أفاض على عباده النعمة, وكتب على نفسه الرحمة, وأودع الكتاب الذي كتبه, إن رحمته تغلب غضبه, وتبارك من له في كل شيء على ربوبيته ووحدانيته وعلمه وحكمته أعدل شاهد, ولو لم يكن إلا أن فاضل بين عباده في مراتب الكمال حتى عدل الآلاف المؤلفة منهم بالرجل الواحد, ذلك ليعلم عباده أنه أنزل التوفيق منازله, ووضع الفضل مواضعه, وأنه (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء) (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ); أحمده والتوفيق للحمد من نعمه, وأشكره والشكر كفيل بالمزيد من فضله وكرمه وقسمه, واستغفره وأتوب إليه من الذنوب التي توجب زوال نعمه وحلول نقمه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت بها الأرض والسموات, وفطر الله عليها جميع المخلوقات, وعليها أسست الملة, ونصبت القبلة, ولأجلها جردت سيوف الجهاد, وبها أمر الله سبحانه جميع العباد; فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها, ومفتاح عبوديته التي دعا الأمم على ألسن رسله إليها, وهي كلمة الإسلام; ومفتاح دار السلام, وأساس الفرض والسنة, ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه, وحجته على عباده, وأمينه على وحيه, أرسله رحمة للعالمين, وقدوة للعالمين, ومحجة للسالكين, وحجة على المعاندين, وحسرة على الكافرين, أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, وأنعم به على أهل الأرض نعمة لا يستطيعون لها شكوراً, فأمده بملائكته المقربين, وأيده بنصره وبالمؤمنين, وأنزل عليه كتابه المبين, الفارق بين الهدى والضلال والغي والرشاد والشك واليقين, فشرح له صدره, ووضع عنه وزره, ورفع له ذكره, وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره, وأقسم بحياته في كتابه المبين, وقرن اسمه باسمه فإذا ذكر ذكر معه كما في الخطب والتشهد والتأذين, وافترض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه, وسد الطرق كلها إليه وإلى جنته فلم يفتح لأحد إلا من طريقه; فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال, والفرقان المبين الذي بإتباعه يميز أهل الهدى من أهل الضلال, ولم يزل - مشمراً في ذات الله تعالى لا يرده عنه راد, صادعاً بأمره لا يصده عنه صاد, إلى أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد, فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها, وتألفت به القلوب بعد شتاتها, وامتلأت به الأرض نوراً وابتهاجاً, ودخل الناس في دين الله أفواجاً, فلما أكمل الله تعالى به الدين, وأتم به النعمة على عباده المؤمنين, استأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى, والمحل الأسنى, وقد ترك أمته على المحجة البيضاء, والطريق الواضحة الغراء, فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده عليه وآله كما وحد الله وعرف به ودعا إليه وسلم تسليما كثيراً... أما بعد
فيعجب طالب الحق في هذا العصر من الهزيمة الفكرية المعششة في نفوس كثيرٍ من المحسوبين على الفقه والدين؛ ويرى تلك الهزيمة في كتبهم ورسائلهم وأقوالهم حيث وصل الحال ببعضهم إلى إلغاء جهاد الطلب وقولهم بأن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم علاقة سِلم مُطلق، وكذلك انصياعهم للقانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة - وغيرها من الشرائع الطاغوتية - وقولهم بتعدد الأئمة ورضوخهم لتقسيمات (سايكس بيكو) وغيرها من الأقوال التي غزت العالم الإسلامي بعد تدهور الخلافة العثمانية والتي اتجهت في نهاية عهدها إلى العلمنة بصورها المختلفة من تحكيم القوانين الوضعية وإزاحة الأحكام الشرعية ومنح السيادة للشعوب بدلاً من سيادة حكم الله تعالى ومعاملة الناس بناءً على المواطنة ونبذ الأخوة الإسلامية.
وخرجت أيضاً بعض الدعوات الخبيثة تحت شعار (سماحة الإسلام) وبدأت تنادي بالتسامح الديني ومقاربة الأديان وحوار الأديان وعُقد لذلك المؤتمرات والندوات وراجت المطبوعات لهذه الدعوات والتي يتولى كبرها بعض الرموز المحسوبة على الفقه والدين فوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من ذلٍّ وهزيمة، وتخلف وتشرذم وتشتت.
وسأحاول في هذه السلسلة أن أنبه إلى أهم المسائل التي تحتاج إلى إحياء وبعث في نفوس أمتنا معتمداً في ذلك على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم الفقهاء المتقدمين من القرن الأول إلى القرن الثامن - إضافة إلى الشوكاني وبعض الصادعين بالحق من المتأخرين - مبتعداً عن فقهاء الهزيمة المعاصرين.
وسنكمل السلسلة على حلقات ان شاء الله ونسأل الله ان يعم علينا بالفائدة في هذه السلسلة
الحمد لله الذي خلق خلقه أطواراً, وصرفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزة واقتداراً, وأرسل الرسل إلى المكلفين إعذاراً منه وإنذاراً, فأتم بهم على من اتبع سبيلهم نعمته السابغة, وأقام بهم على من خالف مناهجهم حجته البالغة, فنصب الدليل, وأنار السبيل, وأزاح العلل, وقطع المعاذير, وأقام الحجة, وأوضح المحجة, وقال (هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ) وهؤلاء رسلي (مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فعمهم بالدعوة على ألسنة رسله حجة منه وعدلاً, وخص بالهداية من شاء منهم نعمة وفضلاً, فقيل: نعمة الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقاها باليمين, وقال (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ), وردها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأساً بين العالمين, فهذا فضله وعطاؤه (وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا) ولا فضله بممنون, وهذا عدله وقضاؤه فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون فسبحان من أفاض على عباده النعمة, وكتب على نفسه الرحمة, وأودع الكتاب الذي كتبه, إن رحمته تغلب غضبه, وتبارك من له في كل شيء على ربوبيته ووحدانيته وعلمه وحكمته أعدل شاهد, ولو لم يكن إلا أن فاضل بين عباده في مراتب الكمال حتى عدل الآلاف المؤلفة منهم بالرجل الواحد, ذلك ليعلم عباده أنه أنزل التوفيق منازله, ووضع الفضل مواضعه, وأنه (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء) (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ); أحمده والتوفيق للحمد من نعمه, وأشكره والشكر كفيل بالمزيد من فضله وكرمه وقسمه, واستغفره وأتوب إليه من الذنوب التي توجب زوال نعمه وحلول نقمه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت بها الأرض والسموات, وفطر الله عليها جميع المخلوقات, وعليها أسست الملة, ونصبت القبلة, ولأجلها جردت سيوف الجهاد, وبها أمر الله سبحانه جميع العباد; فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها, ومفتاح عبوديته التي دعا الأمم على ألسن رسله إليها, وهي كلمة الإسلام; ومفتاح دار السلام, وأساس الفرض والسنة, ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه, وحجته على عباده, وأمينه على وحيه, أرسله رحمة للعالمين, وقدوة للعالمين, ومحجة للسالكين, وحجة على المعاندين, وحسرة على الكافرين, أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, وأنعم به على أهل الأرض نعمة لا يستطيعون لها شكوراً, فأمده بملائكته المقربين, وأيده بنصره وبالمؤمنين, وأنزل عليه كتابه المبين, الفارق بين الهدى والضلال والغي والرشاد والشك واليقين, فشرح له صدره, ووضع عنه وزره, ورفع له ذكره, وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره, وأقسم بحياته في كتابه المبين, وقرن اسمه باسمه فإذا ذكر ذكر معه كما في الخطب والتشهد والتأذين, وافترض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه, وسد الطرق كلها إليه وإلى جنته فلم يفتح لأحد إلا من طريقه; فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال, والفرقان المبين الذي بإتباعه يميز أهل الهدى من أهل الضلال, ولم يزل - مشمراً في ذات الله تعالى لا يرده عنه راد, صادعاً بأمره لا يصده عنه صاد, إلى أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد, فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها, وتألفت به القلوب بعد شتاتها, وامتلأت به الأرض نوراً وابتهاجاً, ودخل الناس في دين الله أفواجاً, فلما أكمل الله تعالى به الدين, وأتم به النعمة على عباده المؤمنين, استأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى, والمحل الأسنى, وقد ترك أمته على المحجة البيضاء, والطريق الواضحة الغراء, فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده عليه وآله كما وحد الله وعرف به ودعا إليه وسلم تسليما كثيراً... أما بعد
فيعجب طالب الحق في هذا العصر من الهزيمة الفكرية المعششة في نفوس كثيرٍ من المحسوبين على الفقه والدين؛ ويرى تلك الهزيمة في كتبهم ورسائلهم وأقوالهم حيث وصل الحال ببعضهم إلى إلغاء جهاد الطلب وقولهم بأن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم علاقة سِلم مُطلق، وكذلك انصياعهم للقانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة - وغيرها من الشرائع الطاغوتية - وقولهم بتعدد الأئمة ورضوخهم لتقسيمات (سايكس بيكو) وغيرها من الأقوال التي غزت العالم الإسلامي بعد تدهور الخلافة العثمانية والتي اتجهت في نهاية عهدها إلى العلمنة بصورها المختلفة من تحكيم القوانين الوضعية وإزاحة الأحكام الشرعية ومنح السيادة للشعوب بدلاً من سيادة حكم الله تعالى ومعاملة الناس بناءً على المواطنة ونبذ الأخوة الإسلامية.
وخرجت أيضاً بعض الدعوات الخبيثة تحت شعار (سماحة الإسلام) وبدأت تنادي بالتسامح الديني ومقاربة الأديان وحوار الأديان وعُقد لذلك المؤتمرات والندوات وراجت المطبوعات لهذه الدعوات والتي يتولى كبرها بعض الرموز المحسوبة على الفقه والدين فوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من ذلٍّ وهزيمة، وتخلف وتشرذم وتشتت.
وسأحاول في هذه السلسلة أن أنبه إلى أهم المسائل التي تحتاج إلى إحياء وبعث في نفوس أمتنا معتمداً في ذلك على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم الفقهاء المتقدمين من القرن الأول إلى القرن الثامن - إضافة إلى الشوكاني وبعض الصادعين بالحق من المتأخرين - مبتعداً عن فقهاء الهزيمة المعاصرين.
وسنكمل السلسلة على حلقات ان شاء الله ونسأل الله ان يعم علينا بالفائدة في هذه السلسلة
عص بن شد- عضو جديد
- عدد المساهمات : 9
نقاط : 354811
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 07/03/2015
رد: سلسلة العلاقات الدولية في الأسلام للشيخ أبو جندل الأزدي
ابو محمد الحسني كتب:
فيعجب طالب الحق في هذا العصر من الهزيمة الفكرية المعششة في نفوس كثيرٍ من المحسوبين على الفقه والدين؛ ويرى تلك الهزيمة في كتبهم ورسائلهم وأقوالهم حيث وصل الحال ببعضهم إلى إلغاء جهاد الطلب وقولهم بأن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم علاقة سِلم مُطلق، وكذلك انصياعهم للقانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة - وغيرها من الشرائع الطاغوتية - وقولهم بتعدد الأئمة ورضوخهم لتقسيمات (سايكس بيكو) وغيرها من الأقوال التي غزت العالم الإسلامي بعد تدهور الخلافة العثمانية والتي اتجهت في نهاية عهدها إلى العلمنة بصورها المختلفة من تحكيم القوانين الوضعية وإزاحة الأحكام الشرعية ومنح السيادة للشعوب بدلاً من سيادة حكم الله تعالى ومعاملة الناس بناءً على المواطنة ونبذ الأخوة الإسلامية.
وخرجت أيضاً بعض الدعوات الخبيثة تحت شعار (سماحة الإسلام) وبدأت تنادي بالتسامح الديني ومقاربة الأديان وحوار الأديان وعُقد لذلك المؤتمرات والندوات وراجت المطبوعات لهذه الدعوات والتي يتولى كبرها بعض الرموز المحسوبة على الفقه والدين فوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من ذلٍّ وهزيمة، وتخلف وتشرذم وتشتت.
أخي/ ابو محمد الحسني
بالنسبة لما حددته باللون الأحمر في المقتبس .. فإن القول بتعدد الأئمة لضرورة الحال ليس وضوخاً لحدود سايكس بيكو .. بل هو حكم اقتضته الضرورة وقد قال به الامامين أبن باز وابن عثيمين رحمهما الله .. وذلك في زمن سابق .. أما الآن فإن هذا الأمر قد يختلف بعد استكمال نتائج الثورات العربية .. وفتاوى العلماء دائماً ما تكون مبنية على المصالح والمفاسد وبحسب تصور الواقع .. والله أعلم
وفيما يخص حوار الاديان فهذا الأمر على رغم عيوبه المحدوده والاخطاء والتجاوزات التي قد تقع فيه .. إلا أنني أعتبره ضد مصطلحات التطرف الاسلامي التي يروج لها الاعلام الصهيوني العالمي والصفوي .. وهذا يحدث شيء من التوازن في المعارك الفكرية القائمة التي لا تقل خطورة عن المعارك بالاسلحة .. والله أعلى وأعلم
في انتظار إكمال السلسلة ولكن أرجو ان تتقبل بصدر رحب وجهة النظر المخالفه .. وبإذن الله في خلافي لن تراني متحيزاً لفئة واخالف كل ما قيل جملة وتفصيلا .. ولا اوافق كل ما قيل جملة وتفصيلا .. بل نحاول أن نصل لنقاط الاتفاق وما يوافق الدليل .. والله الموفق
رو بن وود- عضو جديد
- عدد المساهمات : 3
نقاط : 354805
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 07/03/2015
رد: سلسلة العلاقات الدولية في الأسلام للشيخ أبو جندل الأزدي
اهلاً بالاخ الغالي /جعبة الاسهم يا اخي انا ما سجلت عضواً بينكم في هذا الملتقى الكريم الا لنستفيد منكم ويعلم الله لولا اختلاف وجهات النظر لما وصلنا في بعض الامور الى الصحيح والحلول المناسبة فهل يعقل ان يزعل الاخ الصغير من اخيه الكبير مستحيل نعم ان المسألة حساسة ولكن تأكد باني ذو صدر بارح ومتقبل لكل انتقادات وبارك الله فيكم
عص بن شد- عضو جديد
- عدد المساهمات : 9
نقاط : 354811
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 07/03/2015
رد: سلسلة العلاقات الدولية في الأسلام للشيخ أبو جندل الأزدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
المقصود بالعلاقات الدولية في الإسلام
حين بُعثَ النبي صلى الله عليه وسلم وصدع بدعوته ووقفت قريشٌ في وجهه انقسم الخلق إلى مؤمن به وكافر وكان لابد من أرض يقيم فيها دين الله فعرض نفسه على القبائل حتى تمَّ له الأمر مع الأنصار في المدينة النبوية - دار الهجرة - وفرض الله تعالى على المؤمنين الهجرة من بين الكافرين فكانت نواة دولة الإسلام حين اجتمع المهاجرون والأنصار وبقي فرض الهجرة إلى المدينة قائماً حتى فَتْحِ مكة، ثم بقيت فريضة الهجرة من بين ظهراني الكفار فعن معاوية قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ”لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها“ رواه أحمد وأبو داود وعن عبد اللّه بن السعدي أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: ”لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو“ رواه أحمد والنسائي وفي هذا دليل على أن الهجرة باقية ما بقيت المقاتلة للكفار وسنأتي على ذلك - بإذن الله -
فتمايزت بذلك الدور وأصبح لكل دارٍ أحكامها التي تخصها بالنسبة لنا نحن المسلمين وقد ذكر ذلك فقهاء المسلمين تحت أبواب عدة وبمسميات مختلفة فذكرها بعضهم تحت أبواب الجهاد وبعضهم تحت أبواب السِّير والمغازي وبعضهم تحت أبواب السياسة الشرعية والخراج وبعضهم أفرد لها كتباً مستقلة والبعض الآخر تحدَّث عن قسمٍ منها في كتب منفردة.. وهكذا.. فتجد مثلاً الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله يعرض في كتابه ”السيِّر“ أبواب السيِّر في دار الحرب ويعقد كذلك أبواباً عن أحكام المرتدين والبغاة والخوارج، وهذا يدل على أن هناك أحكاماً تخصُّ علاقات دار الإسلام بدار الكفر وهناك أحكاماً داخل دار الإسلام تنتظم علاقة المسلمين - دولة الإسلام - بأهل الذمة، والمرتدين، والبغاة، والخوارج، وقطَّاع الطرق.. الخ.
قال السرخسي رحمه الله: (اعلم أن السير جمع سيرة وبه سمي هذا الكتاب لأنه بين فيه سيرة المسلمين في المعاملة مع المشركين من أهل الحرب ومع أهل العهد منهم من المستأمنين وأهل الذمة ومع المرتدين الذين هم أخبث الكفار بالإنكار بعد الإقرار ومع أهل البغي الذين حالهم دون حال المشركين وإن كانوا جاهلين وفي التأويل مبطلين..).
وقال التهانوي رحمه الله: (السيرة: هي اسم من السيِّر ثم نقلت إلى الطريقة، ثم غلب في لسان الشرع على طريقة المسلمين في المعاملة مع الكافرين والباغين وغيرهما من المستأمنين والمرتدين وأهل الذمة.. وقد يُراد بها السُّنّة أو الطريقة في المعاملات، يُقال: سار أبو بكرٍ - بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُمّيت المغازي سيراً، لأن أول أمورها السير إلى الغزو وأن المقصود بها في قولنا كتاب السِّير: سير الإمام ومعاملاته مع الغزاة والأنصار والكفار).
وقد عَرضَوا في ذلك حياةَ النبي صلى الله عليه وسلم وجهادهَ وحروبَه فتجدُ مثلاً هذه الألفاظ: غزوات، سرايا، بعوث، سفراء، دار الإسلام، دار الكفر، دار الهجرة، الصلح، العهد، أهل العهد، أهل الذمة، أهل الأمان، الجزية، الهجرة، الوفود، الرسائل إلى الملوك، الحرب، السِّلم، الردة، الأسرى، الغنائم، الأنفال،.. الخ.
فدعوته صلى الله عليه وسلم دعوة عالمية لابد أن تسود ولابد أن تحكم يقول تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). ويقول تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) ويقول (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) وقال سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا).
وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”أعطيتُ خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي: نُصرتُ بالرعبِ مَسيرةَ شهرِ، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلّت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة“ متفق عليه.
فلابد أن يحكمَ الإسلامُ حياةَ البشريةِ فلا يُترك فيه - أي الإسلام - كبير ولا صغير إلا وهو محل تطبيق قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله.
وانقسام الناس إلى فريقين سُنّة من سننِ الله القدرية في خلقه، فلابد من وجود هذين الفريقين - المؤمنين والكفار - إلى أن تهبَّ الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى إلا الكفار وحينها تقوم الساعة على شرار الخلق وذلك لتتحقق سَنة الابتلاء والاختبار قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، وقال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ)، وقال سبحانه (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، وقال تعالى (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)، وقال سبحانه (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)، وأخرج البخاري رحمه الله عن جابر بن عبد الله قال: ”جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا: مَثَلُهُ كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوِّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمداً (فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم فرَّق بين الناس“، وفي الحديث القدسي الذي أخرجه مسلمٌ عن عياض بن حمار المجاشعي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ”.. إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك.. وقاتل بمن أطاعك من عصاك..“.
الأدلة على تقسيم العالم إلى دارين
لم يختلف العلماء من السلف والخلف في تقسيم العالم إلى دارين دار إسلام، ودار كفر، وهذا التقسيم تقسيم أصيل مبنيٌ على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن كتاب الله يقول تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) قال ابن كثير رحمه الله: (أي سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم).
وقال تعالى (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) وقال سبحانه (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) والإضافة - إضافة القرية والأرض إلى ضمير المتكلمين (نا) - (أرضنا، قريتنا) هي إضافة تملك، أي أرض الكافرين وقرية الكافرين وهذا يعني جريان أحكامهم عليها وتحكمهم فيها بالأمر والنهي والسلطان والنفوذ وهذه هي صفة دار الكفر كما سيأتي بإذن الله.
وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) وقال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ) وهذه الآيات الخاصة في الهجرة تدل على وجوب الهجرة كما سنفصل ذلك في المستقبل والهجرة إذا أطلقت في الكتاب والسنة فهي تعني الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام.
ويقول تعالى (سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) وغيرها من الآيات كثير.
وأما السنة فأخرج مسلم في صحيحه عن سليمان ابن بريدة، عن أبيه عن يزيد بن الحصيب الأسلمي قال: كان رسول الله إذا بعث أميراً على سرية أو جيش, أوصاه في خاصة نفسه, بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً, وقال: ”اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال)، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم، إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم......“.
وفي رواية محمد بن الحسن الشيباني بلفظ ”...وادعوهم إلى التحول إلى دار الإسلام...“.
وأخرج البخاري رحمه الله تحت (باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو) ومسلمٌ تحت (باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم)، عن عبد الله بن عمر قال: ”نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو“، وعن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ”أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو“.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: ”كلُ مسلمٍ على مسلم ٍ محرم، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مُشركٍ بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين“ رواه النسائي بإسناد حسن، وأحاديث الهجرة كلها تدل على تمايز الدارين كما مر في الأحاديث السابقة.
وأخرج البخاري عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى أهله وهو بمنى، في آخر حجة حجها عمر، فوجدني، فقال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإني أرى أن تمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة والسلامة، وتخلص لأهل الفقه وأشراف الناس وذوي رأيهم، قال عمر: ”لأقومنَّ في أول مقام أقومه بالمدينة“، وأخرج النسائي رحمه الله بإسناد صحيح عن جابر بن زيد قال: قال ابن عباس: ”إن رسول الله، وأبا بكرٍ، وعمر كانوا من المهاجرين، لأنهم هجروا المشركين، وكان من الأنصار مهاجرون، لأن المدينة كانت دار شرك، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ العقبة“.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة في قصة هجرته قال: لما قدِمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:
يا ليلةً من طولها وعَنَائِها **** على أنها من دارةِ الكفر نَجَّت ِ
قال: وأبَق مني غلامٌ لي في الطريق، قال فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فبينا أنا عنده إذ طَلع الغلام، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، هذا غلامك. فقلت: هو حـُرٌّ لوجه الله، فأعتقته).
وعن سليمان بن بريدة أن عمر رضي الله عنه بعث سلمة بن قيس على جيشٍ فقال: ”فإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى ثلاث خصال: ادعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا فاختاروا دارهم فعليهم في أموالهم الزكاة..“.
ويدلُّ على ذلك ما في كتابِ الصُّلْحِ بين خالدِ بن الوليد وأَهلِ الْحِيرَةِ: ”جعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل, أو أصابته آفة من الآفات, أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته, وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام, فإن خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام فليس على المسلمين النفقة على عيالهم“.
قال بن تيمية رحمه الله ناقلاً كلام الهروي رحمه الله: (التوحيد الظاهر الجلي الذي نفى الشرك الأعظم وعليه نصبت القبلة وبه وجبت الذمة وبه حقنت الدماء والأموال وانفصلت دار الإسلام من دار الكفر وصحت به الملة للعامة) - قال ابن تيمية بعد ذلك - (أما التوحيد الأول الذي ذكره - أي الهروي - فهو التوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وبه بعث الله الأولين والآخرين من الرسل قال تعالى (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) وقال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) وقال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) وقد أخبر الله تعالى عن كل من الرسل مثل نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لقومهم (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) وهذا أول دعوة الرسل وآخرها قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور ”أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله“ وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضاً ”من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة“ وقال: ”من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الحنة“ والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه وتعليق النجاة والفلاح واقتضاء السعادة في الآخرة به.
فهذه النصوص تثبت أن هذا التقسيم - دار كفر ودار إسلام - ثابت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنقول عن الصحابة والتابعين ولا يخلو كتابٌ من كتبِ الفقه من هذا التقسيم وسترى ذلك فيما يأتي بإذن الله.
المقصود بالعلاقات الدولية في الإسلام
حين بُعثَ النبي صلى الله عليه وسلم وصدع بدعوته ووقفت قريشٌ في وجهه انقسم الخلق إلى مؤمن به وكافر وكان لابد من أرض يقيم فيها دين الله فعرض نفسه على القبائل حتى تمَّ له الأمر مع الأنصار في المدينة النبوية - دار الهجرة - وفرض الله تعالى على المؤمنين الهجرة من بين الكافرين فكانت نواة دولة الإسلام حين اجتمع المهاجرون والأنصار وبقي فرض الهجرة إلى المدينة قائماً حتى فَتْحِ مكة، ثم بقيت فريضة الهجرة من بين ظهراني الكفار فعن معاوية قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ”لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها“ رواه أحمد وأبو داود وعن عبد اللّه بن السعدي أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: ”لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو“ رواه أحمد والنسائي وفي هذا دليل على أن الهجرة باقية ما بقيت المقاتلة للكفار وسنأتي على ذلك - بإذن الله -
فتمايزت بذلك الدور وأصبح لكل دارٍ أحكامها التي تخصها بالنسبة لنا نحن المسلمين وقد ذكر ذلك فقهاء المسلمين تحت أبواب عدة وبمسميات مختلفة فذكرها بعضهم تحت أبواب الجهاد وبعضهم تحت أبواب السِّير والمغازي وبعضهم تحت أبواب السياسة الشرعية والخراج وبعضهم أفرد لها كتباً مستقلة والبعض الآخر تحدَّث عن قسمٍ منها في كتب منفردة.. وهكذا.. فتجد مثلاً الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله يعرض في كتابه ”السيِّر“ أبواب السيِّر في دار الحرب ويعقد كذلك أبواباً عن أحكام المرتدين والبغاة والخوارج، وهذا يدل على أن هناك أحكاماً تخصُّ علاقات دار الإسلام بدار الكفر وهناك أحكاماً داخل دار الإسلام تنتظم علاقة المسلمين - دولة الإسلام - بأهل الذمة، والمرتدين، والبغاة، والخوارج، وقطَّاع الطرق.. الخ.
قال السرخسي رحمه الله: (اعلم أن السير جمع سيرة وبه سمي هذا الكتاب لأنه بين فيه سيرة المسلمين في المعاملة مع المشركين من أهل الحرب ومع أهل العهد منهم من المستأمنين وأهل الذمة ومع المرتدين الذين هم أخبث الكفار بالإنكار بعد الإقرار ومع أهل البغي الذين حالهم دون حال المشركين وإن كانوا جاهلين وفي التأويل مبطلين..).
وقال التهانوي رحمه الله: (السيرة: هي اسم من السيِّر ثم نقلت إلى الطريقة، ثم غلب في لسان الشرع على طريقة المسلمين في المعاملة مع الكافرين والباغين وغيرهما من المستأمنين والمرتدين وأهل الذمة.. وقد يُراد بها السُّنّة أو الطريقة في المعاملات، يُقال: سار أبو بكرٍ - بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُمّيت المغازي سيراً، لأن أول أمورها السير إلى الغزو وأن المقصود بها في قولنا كتاب السِّير: سير الإمام ومعاملاته مع الغزاة والأنصار والكفار).
وقد عَرضَوا في ذلك حياةَ النبي صلى الله عليه وسلم وجهادهَ وحروبَه فتجدُ مثلاً هذه الألفاظ: غزوات، سرايا، بعوث، سفراء، دار الإسلام، دار الكفر، دار الهجرة، الصلح، العهد، أهل العهد، أهل الذمة، أهل الأمان، الجزية، الهجرة، الوفود، الرسائل إلى الملوك، الحرب، السِّلم، الردة، الأسرى، الغنائم، الأنفال،.. الخ.
فدعوته صلى الله عليه وسلم دعوة عالمية لابد أن تسود ولابد أن تحكم يقول تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). ويقول تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) ويقول (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) وقال سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا).
وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”أعطيتُ خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي: نُصرتُ بالرعبِ مَسيرةَ شهرِ، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلّت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة“ متفق عليه.
فلابد أن يحكمَ الإسلامُ حياةَ البشريةِ فلا يُترك فيه - أي الإسلام - كبير ولا صغير إلا وهو محل تطبيق قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله.
وانقسام الناس إلى فريقين سُنّة من سننِ الله القدرية في خلقه، فلابد من وجود هذين الفريقين - المؤمنين والكفار - إلى أن تهبَّ الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى إلا الكفار وحينها تقوم الساعة على شرار الخلق وذلك لتتحقق سَنة الابتلاء والاختبار قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، وقال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ)، وقال سبحانه (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، وقال تعالى (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)، وقال سبحانه (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)، وأخرج البخاري رحمه الله عن جابر بن عبد الله قال: ”جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا: مَثَلُهُ كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوِّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمداً (فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم فرَّق بين الناس“، وفي الحديث القدسي الذي أخرجه مسلمٌ عن عياض بن حمار المجاشعي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ”.. إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك.. وقاتل بمن أطاعك من عصاك..“.
الأدلة على تقسيم العالم إلى دارين
لم يختلف العلماء من السلف والخلف في تقسيم العالم إلى دارين دار إسلام، ودار كفر، وهذا التقسيم تقسيم أصيل مبنيٌ على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن كتاب الله يقول تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) قال ابن كثير رحمه الله: (أي سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم).
وقال تعالى (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) وقال سبحانه (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) والإضافة - إضافة القرية والأرض إلى ضمير المتكلمين (نا) - (أرضنا، قريتنا) هي إضافة تملك، أي أرض الكافرين وقرية الكافرين وهذا يعني جريان أحكامهم عليها وتحكمهم فيها بالأمر والنهي والسلطان والنفوذ وهذه هي صفة دار الكفر كما سيأتي بإذن الله.
وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) وقال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ) وهذه الآيات الخاصة في الهجرة تدل على وجوب الهجرة كما سنفصل ذلك في المستقبل والهجرة إذا أطلقت في الكتاب والسنة فهي تعني الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام.
ويقول تعالى (سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) وغيرها من الآيات كثير.
وأما السنة فأخرج مسلم في صحيحه عن سليمان ابن بريدة، عن أبيه عن يزيد بن الحصيب الأسلمي قال: كان رسول الله إذا بعث أميراً على سرية أو جيش, أوصاه في خاصة نفسه, بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً, وقال: ”اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال)، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم، إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم......“.
وفي رواية محمد بن الحسن الشيباني بلفظ ”...وادعوهم إلى التحول إلى دار الإسلام...“.
وأخرج البخاري رحمه الله تحت (باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو) ومسلمٌ تحت (باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم)، عن عبد الله بن عمر قال: ”نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو“، وعن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ”أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو“.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: ”كلُ مسلمٍ على مسلم ٍ محرم، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مُشركٍ بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين“ رواه النسائي بإسناد حسن، وأحاديث الهجرة كلها تدل على تمايز الدارين كما مر في الأحاديث السابقة.
وأخرج البخاري عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى أهله وهو بمنى، في آخر حجة حجها عمر، فوجدني، فقال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإني أرى أن تمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة والسلامة، وتخلص لأهل الفقه وأشراف الناس وذوي رأيهم، قال عمر: ”لأقومنَّ في أول مقام أقومه بالمدينة“، وأخرج النسائي رحمه الله بإسناد صحيح عن جابر بن زيد قال: قال ابن عباس: ”إن رسول الله، وأبا بكرٍ، وعمر كانوا من المهاجرين، لأنهم هجروا المشركين، وكان من الأنصار مهاجرون، لأن المدينة كانت دار شرك، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ العقبة“.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة في قصة هجرته قال: لما قدِمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:
يا ليلةً من طولها وعَنَائِها **** على أنها من دارةِ الكفر نَجَّت ِ
قال: وأبَق مني غلامٌ لي في الطريق، قال فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فبينا أنا عنده إذ طَلع الغلام، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، هذا غلامك. فقلت: هو حـُرٌّ لوجه الله، فأعتقته).
وعن سليمان بن بريدة أن عمر رضي الله عنه بعث سلمة بن قيس على جيشٍ فقال: ”فإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى ثلاث خصال: ادعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا فاختاروا دارهم فعليهم في أموالهم الزكاة..“.
ويدلُّ على ذلك ما في كتابِ الصُّلْحِ بين خالدِ بن الوليد وأَهلِ الْحِيرَةِ: ”جعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل, أو أصابته آفة من الآفات, أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته, وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام, فإن خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام فليس على المسلمين النفقة على عيالهم“.
قال بن تيمية رحمه الله ناقلاً كلام الهروي رحمه الله: (التوحيد الظاهر الجلي الذي نفى الشرك الأعظم وعليه نصبت القبلة وبه وجبت الذمة وبه حقنت الدماء والأموال وانفصلت دار الإسلام من دار الكفر وصحت به الملة للعامة) - قال ابن تيمية بعد ذلك - (أما التوحيد الأول الذي ذكره - أي الهروي - فهو التوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وبه بعث الله الأولين والآخرين من الرسل قال تعالى (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) وقال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) وقال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) وقد أخبر الله تعالى عن كل من الرسل مثل نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لقومهم (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) وهذا أول دعوة الرسل وآخرها قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور ”أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله“ وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضاً ”من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة“ وقال: ”من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الحنة“ والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه وتعليق النجاة والفلاح واقتضاء السعادة في الآخرة به.
فهذه النصوص تثبت أن هذا التقسيم - دار كفر ودار إسلام - ثابت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنقول عن الصحابة والتابعين ولا يخلو كتابٌ من كتبِ الفقه من هذا التقسيم وسترى ذلك فيما يأتي بإذن الله.
عص بن شد- عضو جديد
- عدد المساهمات : 9
نقاط : 354811
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 07/03/2015
مواضيع مماثلة
» الخطبة الشهيرة للشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله
» سلسلة الظواهر الغامضة
» سلسلة قصة الخلق للدكتور زغلول النجار
» ما الفرق بين تصريحات دجال العلماء وبين منظمة العفو الدولية الدجالية السنفورية الماسونية ؟؟؟؟
» سلسلة الظواهر الغامضة
» سلسلة قصة الخلق للدكتور زغلول النجار
» ما الفرق بين تصريحات دجال العلماء وبين منظمة العفو الدولية الدجالية السنفورية الماسونية ؟؟؟؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أبريل 19, 2018 9:33 pm من طرف صاحب سليمان
» كثُر ادعاء المهدوية ولا يمكن ان يكون بناءا على رؤى منامية | كثرة الرؤى إشارة بينة أن هذا زمان خروجه
الخميس أبريل 19, 2018 9:31 pm من طرف صاحب سليمان
» صفة وجود يأجوج ومأجوج من القرآن هل هم كما يًتصور "مقفولين أو تحت الأرض"؟ أم لا؟ وهل هناك مبرر لهذا الاعتقاد؟
الخميس أبريل 19, 2018 9:26 pm من طرف صاحب سليمان
» ظهر [ذو السويقتين] هَـادِمِ الـكَـعْـبَـةِ الرجل الأسود من الحبشة ومخرج كنوزها | من السودان وباسم سليمان
الخميس أبريل 19, 2018 9:24 pm من طرف صاحب سليمان
» المهدي المنتظر هو المسيح المنتظر هو عيسى بن مريم في ميلاده الثاني هو مكلم الناس,هو إمام الزمان وقطبه
الخميس أبريل 19, 2018 9:20 pm من طرف صاحب سليمان
» سيقول أكثرهم ما سمعنا بخبر المسيح, يقولون لو أنكم أصررتم وأوضحتم |ظهر المهدي المنتظر
الخميس أبريل 19, 2018 9:17 pm من طرف صاحب سليمان
» عاجل ,,,,مطلوب مشرفين ومدير لهذا المنتدى
الإثنين سبتمبر 25, 2017 12:48 pm من طرف هاني
» رحله بلا عوده
الجمعة مارس 17, 2017 7:57 pm من طرف أبو البقاع
» سؤال مهم لمن يعرف التاريخ البشري
الجمعة مارس 17, 2017 7:53 pm من طرف أبو البقاع