المواضيع الأخيرة
بحـث
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 338 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 338 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 338 بتاريخ الجمعة نوفمبر 22, 2024 9:26 am
أفضل 10 فاتحي مواضيع
هوائيات | ||||
بدأ الأمر | ||||
هُدهدُ | ||||
دكتور خليل | ||||
هاني | ||||
فارقليط | ||||
طائر السماء | ||||
العقاد الأكدي | ||||
يماني | ||||
حارث |
دخول
سيدتي الشاعرة
صفحة 1 من اصل 1
سيدتي الشاعرة
الطريق، نعبره مرغمين . والمسافة الفاصلة بين المدرسة والفيلاج ، تبعد بأميال كثيرة . مسافة كنّا نقدرها بخمسة فراسخ أو ما يزيد.. بعد ما نقطع نصفه . نكون قد أشرفنا على ربوع . تتسع إلى أمداد بعيدة ، نطأ ترابها ، بعد عبور النهر مباشرة ، تتناثر على شساعتها مساكن تنتشر عن اليمين وعن الشمال .
نقطع الطريق صعودا ، بين أشجار سامق علوها ، الى عنان السماء . من الأرز والصفصاف والزيتون .
كان الطريق ممتعا . تفترش مساحة الارتفاع ، الذي كنا نصعده لاهثين ، من مجرى النهر إلى قمة الهضبة . تاركين النهر يتبع مجراه نحو الخنادق . خنادق وشمها في التواءاته ، الصبيب المندفع بقوة ، أيام الشتاء الممطرة والعاصفة.
كم كانت لحظة جميلة ، أحببتها كثيراً ، أن أظل أطل على النهر ، وأنا أصعد الربوة لاهثا ، بين الفينة والأخرى. أتملى بجداول الماء التي تنساب صافية ، محاذية ، لجنبات الربوع الممتدة على طوله الملتوي ..
وذات صباح ، من أيام الخريف الرطبة ، وأنا أطوي كعادتي ، طريق الهضبة . تناهى إلى سمعي فجأة ، جدال . على شكل ذبذبات موسيقية . كانت سنفونية لأصوات نسائية . صوت امرأة ، تتقاذفه الرياح ، من وراء الربوة، التي كنت أكاد أن أطل من علوها ، على وجه الطريق .
لم أتبين مصدر الأصوات أول الأمر، لكن بتتابع الخطوات ، بدأت ألتحم أكثر في هيجانها . وشيئا فشيئا.. بدت لي على مسافة غير بعيدة ، امرأتان منتصبتان ، اتخذت كل منهما مقاما لها ، على ربوتين متقابلتين ، تطلان على الطريق مباشرة . ذاك الطريق الذي كنت أسلكه مرة كل أسبوع.
كانت إحدى المرأتين ، قد اتخذت مكانا لها ، فوق الربوة ، على الجهة الشرقية من الطريق ، حيث ظلّت الأخرى تقابلها ، في الجهة الغربية منه.
لم أتوقع أبدا ، أن يكون ذاك الشجار ، شجارهما ، حامي الوطيس ، على ذاك النحو . شجار يشخص من كلماته ، ملحمة بطولية ، سلاحها الكلمات ، وخطتها نغمات ، آتية من أصوات أنثويّة نسائية . يتردد صداها في قاع النهر ، كنداء الزمان..
تحت شجرة زيتون مثمرة ، اتخذت مكانا لي ، قبعت به ، أستفيئ بظلها ولأتتبع سجال هذه الحرب الكلامية، ومراحل تطورها . عراك نسوة ، ذهبت السنون بكل أريحتهن ، وضيعت الأيام رقّتهن . سجال في حضرة الأزواج . الأول يعتل بمعول ، يشقّ به الأرض شقاً ، بضرباته القوية المتتالية . والآخر ينسج حبالا من العزف . يتناسق التواءها ومهارة خفّة حركات يديه اليسرى .. القويتين والخشينتين.
يستمعان دون أن ينطقا .. صامتان .. جامدان كصنمين . وحده صوت المرأتين ، هو مايحرك سكون النهر ، هو ما كان يجلجل في شساعة الخلاء .
إنه سجال أدبي رائق . يشدك لتصيخ السمع ، لشذراته المقفاة بلحن الحياة . أدركت ذلك وأنا أنصت إليهما . ثم وأنا أغادر المكان ، لاهيا ، ساهيا عن حاجاتي ، التي سجلتها في ذاكرتي المتعبة ..
يتردد صدى صوت المرأة الأولى شتماً وقدحا .. بقافية . تصاحبها نغمات موسيقية ، متناوبة . شنّفت سمعي وأطربت أحاسيسي ، واندهشت لها روحي أيما اندهاش ، لتظل الثانية صامتة ، تنصت في سكون . تنظر إلى الأفق البعيد بشموخ وبزهو وانتشاء .. وكأنها تقرأ طالع اليوم ، لتعد لحربها خطة الإقلاع . ولاياتي ردها إلا بعد انتهاء الأولى.. واستخلاصها مما في جعبتها ، من كلمات .. فتسجع الثانية ، بقافية تغاير قافية المرأة الأولى . وبكلمات ترقى لتتخطى معاني كلماتها . تتراقص الكلمات والنغمات ، وضفة النهر تحضننا ، ومجراه يردّدها أسراراً وبوحا ، في ثنايا أدهر الزمن.. المنتفض من حر الشمس ..
تظل المرأتان كذلك لمدة .. حتى تحس كل منهما ، أن نفسها قد ارتوت ، من عناد الأخرى ، فتخبو الأصوات ، ويخف السّجال ويجف ، وكأنه نهر تشبعت أتربته بلهب الحر ، وتتوادعان . وتقفل كل منهما باب بيتها عليها ، في وجه الأخرى . ولا يمكن أن يحدث ذلك ، إلا وغروب الشمس ، ينسج خيوط المساء ، وهو يكاد ينتهي على أفق المغيب .
ولكم أثارني هذا السّجال الغريب ، ولم أكن أتوقع ، حدوثه في يوم ما ، من أيام حياتي..
تابعت طريقي نحو الفيلاج و مضيت ، و أنا أفكر بعمق ، في أحدى المرأتين . تلك المرأة التي كانت تحتل الجهة الشرقية من الطريق ، وفي ذاك المشهد المثير . لا أنكر أنه مشهد ، طبع في نفسي إحساسا بالاعتزاز ، وحب المرأة واحترامها . مشهد لطالما استهواني كثيرا وأنا أركب صورة وجهها ، وقسماته التي طبع الزمان عليه أخاديده . فزادها وقارا ، وصلابة وعزة .. وكم أثارتني تلك الطريقة الحوارية المنمّقة . التي ظل الحوار يدور فيها بينهما ، والذي حبك ذاك السّجال ، الذي دفن في نفسي ، أريج الحياة وحب المرأة .
خمنت أنها أمسية شعرية لشاعرتين ، ترددان فيها ما جادت به قريحتهما . استحسنت تلك الطريقة .
وكنت كلما مررت قرب بيتها ، طوال مدة إقامتي هناك ، أقف للحظة ، أمام بابه المغلق استرجع فيها صدى كلماتها المتناثرة ، عبر فضاء الوادي الموحش ، كما هي بيوت القرية. وأنا أتأمل أبوابها وبيت المرأة ، وأتساءل في صمت . أهي فطرة شاعرات ، يوظفن إبداعهن وقت الغضب..؟ أم هي عفويتهن ، تحرك في نفوسهن خيوط الإبداع ، فتتفجر طاقة السّب والشّتم ، شعرا وكلمات وإبداعا . ليبدعن الأحسن والأجود.!؟
كنت أفعل ذلك كل مرّة ،كلما مررت من هناك . فأحاول أن أستقرئ جوابه ، من وجه إحدى المرأتين ، وأنا ألقاها في طريق العودة إلى القرية .
لا أنكر ، أني كلما صادفتها ، كنت ودون أن تشعر بي ، أبجّلها تبجيلا.. وأقدرها تقديرا.. وأنا القي عليها تحيّة السّلام ، في همس فأقول :
- سلام عليك سيّدتي الشاعرة..
م ن ق و ل
نقطع الطريق صعودا ، بين أشجار سامق علوها ، الى عنان السماء . من الأرز والصفصاف والزيتون .
كان الطريق ممتعا . تفترش مساحة الارتفاع ، الذي كنا نصعده لاهثين ، من مجرى النهر إلى قمة الهضبة . تاركين النهر يتبع مجراه نحو الخنادق . خنادق وشمها في التواءاته ، الصبيب المندفع بقوة ، أيام الشتاء الممطرة والعاصفة.
كم كانت لحظة جميلة ، أحببتها كثيراً ، أن أظل أطل على النهر ، وأنا أصعد الربوة لاهثا ، بين الفينة والأخرى. أتملى بجداول الماء التي تنساب صافية ، محاذية ، لجنبات الربوع الممتدة على طوله الملتوي ..
وذات صباح ، من أيام الخريف الرطبة ، وأنا أطوي كعادتي ، طريق الهضبة . تناهى إلى سمعي فجأة ، جدال . على شكل ذبذبات موسيقية . كانت سنفونية لأصوات نسائية . صوت امرأة ، تتقاذفه الرياح ، من وراء الربوة، التي كنت أكاد أن أطل من علوها ، على وجه الطريق .
لم أتبين مصدر الأصوات أول الأمر، لكن بتتابع الخطوات ، بدأت ألتحم أكثر في هيجانها . وشيئا فشيئا.. بدت لي على مسافة غير بعيدة ، امرأتان منتصبتان ، اتخذت كل منهما مقاما لها ، على ربوتين متقابلتين ، تطلان على الطريق مباشرة . ذاك الطريق الذي كنت أسلكه مرة كل أسبوع.
كانت إحدى المرأتين ، قد اتخذت مكانا لها ، فوق الربوة ، على الجهة الشرقية من الطريق ، حيث ظلّت الأخرى تقابلها ، في الجهة الغربية منه.
لم أتوقع أبدا ، أن يكون ذاك الشجار ، شجارهما ، حامي الوطيس ، على ذاك النحو . شجار يشخص من كلماته ، ملحمة بطولية ، سلاحها الكلمات ، وخطتها نغمات ، آتية من أصوات أنثويّة نسائية . يتردد صداها في قاع النهر ، كنداء الزمان..
تحت شجرة زيتون مثمرة ، اتخذت مكانا لي ، قبعت به ، أستفيئ بظلها ولأتتبع سجال هذه الحرب الكلامية، ومراحل تطورها . عراك نسوة ، ذهبت السنون بكل أريحتهن ، وضيعت الأيام رقّتهن . سجال في حضرة الأزواج . الأول يعتل بمعول ، يشقّ به الأرض شقاً ، بضرباته القوية المتتالية . والآخر ينسج حبالا من العزف . يتناسق التواءها ومهارة خفّة حركات يديه اليسرى .. القويتين والخشينتين.
يستمعان دون أن ينطقا .. صامتان .. جامدان كصنمين . وحده صوت المرأتين ، هو مايحرك سكون النهر ، هو ما كان يجلجل في شساعة الخلاء .
إنه سجال أدبي رائق . يشدك لتصيخ السمع ، لشذراته المقفاة بلحن الحياة . أدركت ذلك وأنا أنصت إليهما . ثم وأنا أغادر المكان ، لاهيا ، ساهيا عن حاجاتي ، التي سجلتها في ذاكرتي المتعبة ..
يتردد صدى صوت المرأة الأولى شتماً وقدحا .. بقافية . تصاحبها نغمات موسيقية ، متناوبة . شنّفت سمعي وأطربت أحاسيسي ، واندهشت لها روحي أيما اندهاش ، لتظل الثانية صامتة ، تنصت في سكون . تنظر إلى الأفق البعيد بشموخ وبزهو وانتشاء .. وكأنها تقرأ طالع اليوم ، لتعد لحربها خطة الإقلاع . ولاياتي ردها إلا بعد انتهاء الأولى.. واستخلاصها مما في جعبتها ، من كلمات .. فتسجع الثانية ، بقافية تغاير قافية المرأة الأولى . وبكلمات ترقى لتتخطى معاني كلماتها . تتراقص الكلمات والنغمات ، وضفة النهر تحضننا ، ومجراه يردّدها أسراراً وبوحا ، في ثنايا أدهر الزمن.. المنتفض من حر الشمس ..
تظل المرأتان كذلك لمدة .. حتى تحس كل منهما ، أن نفسها قد ارتوت ، من عناد الأخرى ، فتخبو الأصوات ، ويخف السّجال ويجف ، وكأنه نهر تشبعت أتربته بلهب الحر ، وتتوادعان . وتقفل كل منهما باب بيتها عليها ، في وجه الأخرى . ولا يمكن أن يحدث ذلك ، إلا وغروب الشمس ، ينسج خيوط المساء ، وهو يكاد ينتهي على أفق المغيب .
ولكم أثارني هذا السّجال الغريب ، ولم أكن أتوقع ، حدوثه في يوم ما ، من أيام حياتي..
تابعت طريقي نحو الفيلاج و مضيت ، و أنا أفكر بعمق ، في أحدى المرأتين . تلك المرأة التي كانت تحتل الجهة الشرقية من الطريق ، وفي ذاك المشهد المثير . لا أنكر أنه مشهد ، طبع في نفسي إحساسا بالاعتزاز ، وحب المرأة واحترامها . مشهد لطالما استهواني كثيرا وأنا أركب صورة وجهها ، وقسماته التي طبع الزمان عليه أخاديده . فزادها وقارا ، وصلابة وعزة .. وكم أثارتني تلك الطريقة الحوارية المنمّقة . التي ظل الحوار يدور فيها بينهما ، والذي حبك ذاك السّجال ، الذي دفن في نفسي ، أريج الحياة وحب المرأة .
خمنت أنها أمسية شعرية لشاعرتين ، ترددان فيها ما جادت به قريحتهما . استحسنت تلك الطريقة .
وكنت كلما مررت قرب بيتها ، طوال مدة إقامتي هناك ، أقف للحظة ، أمام بابه المغلق استرجع فيها صدى كلماتها المتناثرة ، عبر فضاء الوادي الموحش ، كما هي بيوت القرية. وأنا أتأمل أبوابها وبيت المرأة ، وأتساءل في صمت . أهي فطرة شاعرات ، يوظفن إبداعهن وقت الغضب..؟ أم هي عفويتهن ، تحرك في نفوسهن خيوط الإبداع ، فتتفجر طاقة السّب والشّتم ، شعرا وكلمات وإبداعا . ليبدعن الأحسن والأجود.!؟
كنت أفعل ذلك كل مرّة ،كلما مررت من هناك . فأحاول أن أستقرئ جوابه ، من وجه إحدى المرأتين ، وأنا ألقاها في طريق العودة إلى القرية .
لا أنكر ، أني كلما صادفتها ، كنت ودون أن تشعر بي ، أبجّلها تبجيلا.. وأقدرها تقديرا.. وأنا القي عليها تحيّة السّلام ، في همس فأقول :
- سلام عليك سيّدتي الشاعرة..
م ن ق و ل
العقاد الأكدي- كاتب وباحث
- عدد المساهمات : 62
نقاط : 356344
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 21/02/2015
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أبريل 19, 2018 9:33 pm من طرف صاحب سليمان
» كثُر ادعاء المهدوية ولا يمكن ان يكون بناءا على رؤى منامية | كثرة الرؤى إشارة بينة أن هذا زمان خروجه
الخميس أبريل 19, 2018 9:31 pm من طرف صاحب سليمان
» صفة وجود يأجوج ومأجوج من القرآن هل هم كما يًتصور "مقفولين أو تحت الأرض"؟ أم لا؟ وهل هناك مبرر لهذا الاعتقاد؟
الخميس أبريل 19, 2018 9:26 pm من طرف صاحب سليمان
» ظهر [ذو السويقتين] هَـادِمِ الـكَـعْـبَـةِ الرجل الأسود من الحبشة ومخرج كنوزها | من السودان وباسم سليمان
الخميس أبريل 19, 2018 9:24 pm من طرف صاحب سليمان
» المهدي المنتظر هو المسيح المنتظر هو عيسى بن مريم في ميلاده الثاني هو مكلم الناس,هو إمام الزمان وقطبه
الخميس أبريل 19, 2018 9:20 pm من طرف صاحب سليمان
» سيقول أكثرهم ما سمعنا بخبر المسيح, يقولون لو أنكم أصررتم وأوضحتم |ظهر المهدي المنتظر
الخميس أبريل 19, 2018 9:17 pm من طرف صاحب سليمان
» عاجل ,,,,مطلوب مشرفين ومدير لهذا المنتدى
الإثنين سبتمبر 25, 2017 12:48 pm من طرف هاني
» رحله بلا عوده
الجمعة مارس 17, 2017 7:57 pm من طرف أبو البقاع
» سؤال مهم لمن يعرف التاريخ البشري
الجمعة مارس 17, 2017 7:53 pm من طرف أبو البقاع