هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» رؤيا عن المهدي
 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Timenالخميس أبريل 19, 2018 9:33 pm من طرف صاحب سليمان

» كثُر ادعاء المهدوية ولا يمكن ان يكون بناءا على رؤى منامية | كثرة الرؤى إشارة بينة أن هذا زمان خروجه
 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Timenالخميس أبريل 19, 2018 9:31 pm من طرف صاحب سليمان

» صفة وجود يأجوج ومأجوج من القرآن هل هم كما يًتصور "مقفولين أو تحت الأرض"؟ أم لا؟ وهل هناك مبرر لهذا الاعتقاد؟
 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Timenالخميس أبريل 19, 2018 9:26 pm من طرف صاحب سليمان

»  ظهر [ذو السويقتين] هَـادِمِ الـكَـعْـبَـةِ الرجل الأسود من الحبشة ومخرج كنوزها | من السودان وباسم سليمان
 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Timenالخميس أبريل 19, 2018 9:24 pm من طرف صاحب سليمان

» المهدي المنتظر هو المسيح المنتظر هو عيسى بن مريم في ميلاده الثاني هو مكلم الناس,هو إمام الزمان وقطبه
 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Timenالخميس أبريل 19, 2018 9:20 pm من طرف صاحب سليمان

» سيقول أكثرهم ما سمعنا بخبر المسيح, يقولون لو أنكم أصررتم وأوضحتم |ظهر المهدي المنتظر
 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Timenالخميس أبريل 19, 2018 9:17 pm من طرف صاحب سليمان

» عاجل ,,,,مطلوب مشرفين ومدير لهذا المنتدى
 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Timenالإثنين سبتمبر 25, 2017 12:48 pm من طرف هاني

»  رحله بلا عوده
 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Timenالجمعة مارس 17, 2017 7:57 pm من طرف أبو البقاع

» سؤال مهم لمن يعرف التاريخ البشري
 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Timenالجمعة مارس 17, 2017 7:53 pm من طرف أبو البقاع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 11 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 11 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 134 بتاريخ الثلاثاء أغسطس 01, 2017 2:11 am
دخول

لقد نسيت كلمة السر

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 



[ إنا كفيناك المستهزئين ]

اذهب الى الأسفل

 [ إنا كفيناك المستهزئين ] Empty [ إنا كفيناك المستهزئين ]

مُساهمة من طرف يماني الأربعاء فبراير 25, 2015 9:21 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى ( وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين ) أي : بلغ ما أنزل إليك من ربك ، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله . ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) [ القلم : 9 ] ولا تخفهم ; فإن الله كافيك إياهم ، وحافظك منهم ، كما قال تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) [ المائدة : 67 ]
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا عون بن كهمس ، عن يزيد بن درهم قال : سمعت أنسا يقول في هذه الآية : ( إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر ) [ ص: 552 ] قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغمزه بعضهم ، فجاء جبريل أحسبه قال : فغمزهم فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة حتى ماتوا .
الشيخ الفوزان في كتاب التوحيد "ص 62 : ..أن الإستهزاء بالدين منه ما هو صريح : .. ومنه ما يقوله بعضهم إن الإسلام لا يصلح للقرن العشرين ـ وإنما يصلح للقرون الوسطى ـ وأنه تأخر ورجعية ـ وأن فيه قسوة ووحشية في عقوبات الحدود والتعازير وأنه ظلم المرأة حقوقها حيث أباح الطلاق وتعدد الزوجات وقولهم : الحكم بالقوانين الوضعية أحسن للناس من الحكم بالإسلام ويقولون في الذي يدعو إلى التوحيد وينكر عبادة القبور والأضرحة هذا متطرف أو يريد يفرق جماعة المسلمين ومن ذلك استهزاؤهم بمن تمسك بسنة من سنن الرسول فيقولون : الدين ليس في الشعر استهزاءً بإعفاء اللحية وما أشبه هذه الألفاظ الوقحة اهـ
وقال العلامة ابن باز رحمه الله : .. ويدخل في ذلك الإستهزاء بالتوحيد أو بالصلاة أو بالزكاة أبو بالصيام أو بالحج أو غير ذلك من أحكام الدين المتفق عليها وأما الإستهزاء بمن يعفي لحيته أو يقصر ثيابه أو غير ذلك من الأمور التي قد تخفى أحكامها فهذا فيه تفصيل .." فتاوى مهمة في العقيدة ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : من استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطناً وظاهراً وأن من قال : إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمناً بالله !! وإنما هو كافر في الظاهر ؟!! فإنه قال قولاً معلوم الفساد بالضرورة " مجموع الفتاوى " 7 /557 ـ558
قال الأب ستيفانو: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ عند إقامة الحدود.
قال: وما الحدود؟
قلت: الحدود هي العقوبات المحددة التي نصت الشريعة الإسلامية على توقيعها على أصحاب الجرائم التي تضرُّ بالمجتمع الإسلامي مثل الزنى والسرقة وشرب الخمر..
قال: هذا أمر يمكن أن يأتيه أي صاحب سلطة فيعفو عن المجرمين؛ إما رحمة بهم أو لغاية في نفسه.
قلت: على رِسْلِك.. إنَّ صاحب السلطة قد يعفو عن مجرم راغب بالعفو، لكنه لا يعفو عن مجرم راغب بالعقوبة.
قال باستغراب: وهل هناك مجرم يرغب بالعقوبة؟!
قلت: أجل، هكذا هم تلاميذ مدرسة محمد..
قال: أفصِح وأوضِح.
قلت: إني محدثك فأصغِ إلي:
روى الصحابي بريدة قال: «جاء ماعز بن مالك إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله طهِّرني. فقال: ويحك ارجع فاستغفر الله وتُب إليه. قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهِّرني. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ويحك ارجع فاستغفر الله وتُب إليه. قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهِّرني. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) مثل ذلك.. حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله: فِيمَ أُطَهِّرُك؟ فقال: من الزنى. فسأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أبه جنون؟ فأُخبر أنه ليس بمجنون. فقال: أَشَرِب خمراً؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر. قال فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أَزنيتَ؟ فقال: نعم. فأمر به فرُجم.
فكان الناس فيه فرقتين: قائل يقول لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئته. وقائل يقول: ما توبةٌ أفضل من توبة ماعز؛ أنه جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فوضع يده في يده ثم قال: اقتلني بالحجارة.
قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهم جلوس، فسلَّم ثم جلس فقال: استغفروا لماعز بن مالك. قال فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. قال فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لقد تاب توبة لو قُسمت بين أمَّةٍ لوسعتهم.
قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله طهرني. فقال: ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه. فقالت: أراك تريد أن تردَّني كما رددتَ ماعز بن مالك. قال: وما ذاك؟ قالت إنها حبلى من الزنى. فقال: آنتِ؟ قالت: نعم. فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك.
قال فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت. قال فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: لقد وضعتْ الغامدية. فقال: إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه. فقام رجل من الأنصار فقال: إليَّ رضاعه يا نبي الله. قال فرجمها».صحيح مسلم الحديث رقم/3207 وانظر في مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني الحديث رقم/3565 ففيه زيادة.
وأردفت: كيف ترى أيها الأب ستيفانو، أكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رحيماً عند إقامة الحد؟
قال: إن ما حدثتني به يؤكد لي صحة قولك السالف: إن محمداً كان أرحم بالمسلمين منهم بأنفسهم. لكن هل تكرر مثل هذا؟
قلت: أجل، فقد روى الصحابي أبو هريرة قال: «أتى رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) رجل من الناس وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله إني زنيتُ. فأعرض عنه النبي (صلى الله عليه وسلم). فتنحَّى لِشِق وجهه الذي أعرض قِبَلَه فقال: يا رسول الله إني زنيت. فأعرض عنه. فجاء لشِقِّ وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات.. دعاه النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: أبِكَ جنون؟ قال: لا يا رسول الله. فقال: أَحْصَنْتَ - أي تزوجت – قال: نعم يا رسول الله. فقال: اذهبوا به فارجموه».
وأردفت: أيكفي هذا أم أزيدك بما هو أبلغ؟
قال: وهل هناك ما هو أبلغ؟
قلت: أجل، فقد روى الصحابي أنس بن مالك قال: «كنت عند النبي (صلى الله عليه وسلم) فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبتُ حداً فأقمه علي. قال ولم يسأله عنه. قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي (صلى الله عليه وسلم) فلما قضى النبي (صلى الله عليه وسلم) الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أَصبتُ حداً فأقم فيَّ كتاب الله. قال: أليس قد صليتَ معنا؟ قال: نعم. قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك»صحيح البخاري الحديث رقم/6323..
وأردفت: أرأيت كيف نجَّا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الرجلَ من العقوبة بعدم سؤاله عن ذنبه الذي جاء ليعترف به، رحمةً به، لمَّا تأكد له صدق ندمه على ما فعل، ولو سأله عن ذنبه، وأَقَرَّ الرجل، لنالته العقوبة وأقيمَ عليه الحدّ.
وهكذا كانت سيرته (صلى الله عليه وسلم) عند إقامة الحدود في غير هذا من الجرائم.
قال الأب ستيفانو: إن مما يثير إعجابي برحمة محمد، كما تحدثني عنها.. أنها لم تكن تظهر مرَّةً وتختفي أخرى، بل هي دائماً ظاهرة متكررة لا تنتهي عند حد. ويظهر لي أن من يدرس سيرة محمد الصحيحة دراسة جادة، يستطيع أن يتناول منها أمثلة الرحمة كيف شاء.
قلت: لأن رحمته (صلى الله عليه وسلم) لم تكن متكلَّفة أو مصطنَعة، إنما كانت رحمةً متأصِّلة في نفسه.
وأردفت: وهكذا كانت سيرته (صلى الله عليه وسلم) عند إقامة الحدود في جميع الجرائم الحديَّة الأخرى.. يحاول أن يدرأ توقيع الحد ما استطاع.. على أن يبقى ضمن دائرة ما شرعه الله سبحانه.. بل حتى الجرائم غير الحديَّة كان (صلى الله عليه وسلم) لا تفارقه الرحمة في توقيع عقوبتها على مستحقيها.
قال: وما الجرائم غير الحديَّة؟
قلت: تلك التي لم تنص الشريعة الإسلامية على عقوبة محددة لها، إنما تُرك أمرها إلى الحاكم يقدِّرها بحسب ما يتبدَّى له من الظروف والملابسات المحيطة بالجريمة. انظر (السياسة الشرعية) لابن تيمية ط. دار المعرفة ص95.
قال: ألا بيَّنت لي؟
قلت: كان حاطب بن أبي بلتعة حليفاً لقريش، مقيماً بينهم في مكة، فلما بُعثَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسلم حاطب وهاجر إلى المدينة وترك أهله في مكة. فلما عزم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، أجرى تجهيزات الجيش في المدينة بسرِّية تامة حتى يفاجئ قريشاً. وقبل تحرُّك الجيش من المدينة، حدث ما رواه علي بن أبي طالب قال: «بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنا والزبير والمقداد، فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضةَ خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها. قال: فانطلقنا تعادَى بنا خيلُنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي كتاب. فقلنا: لتخرجِنَّ الكتاب أو لنُلقِيَنَّ الثياب. قال: فأخرجته من عقاصها - أي من ضفائرها – فأتينا به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فإذا به من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - وفي رواية يخبرهم بمسير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليهم – فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا حاطب ما هذا؟! قال: يا رسول الله لا تعجَل علَي، إني كنت امرأً مُلصقاً في قريش، يقول كنت حليفاً ولم أكن من أنفُسها، وكان مَن معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إنه قد صدقكم - وفي رواية: صَدَق فلا تقولوا له إلا خيراً - فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعلَّ الله اطَّلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم - وفي رواية: فقد وجبت لكم الجنة. قال فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم -». صحيح البخاري الحديث رقم/3939 - والحديث رقم/5789.
فقال الأب ستيفانو معلقاً على الحديث: لو جرى هذا مع غير محمد لأُعلن عن حاطب أنه جاسوس يتعامل مع العدو، ولاتُّهم بالخيانة العظمى.. ولأُعدِم من فوره.
قلت: أما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فما كان ليقتل أصحابه، بل كان يعالج أخطاءهم برحمته وحكمته فيكونون بعد الخطأ أصلب إيماناً وأشد حبّاً لله ورسوله.
برهن محمد بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات" جان ليك (مستشرق أسباني): العرب ، ص 43.
أصدرت محكمة التفتيش الفرنسية في عام 1258م أوامر تقتضي أن يحضر المذنب إلى الكنيسة يوم الأحد وهو عاري الظهر ويحمل معه عصا يأخذها منه القسيس ليضربه بها أمام جموع المصلين، وقد يستمر المذنب على هذا الحال سنوات عديدة، ويعتبر هذا الحكم من أخف وأهون الأحكام التي أصدرتها محاكم التفتيش ضد مخالفيها في الرأي د. رمسيس عوض، محاكم التفتيش،دار الهلال، مصر، 2001م، ص 87، 88 بتصرف
هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!
لعلنا نستوعب رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجاهلين، والتي تحدثنا عنها في المبحث السابق، ولكن الذي لا يستطيع أحدٌ - مهما كانت أخلاقه كريمة - أن يستوعبه هو رحمته صلى الله عليه وسلم بالمذنبين!!
فالفارق بين الجاهل والمذنب أن الأول أخطأ لأنه لا يعرف، بينما الثاني يعرف وتعمَّد الخطأ، وشَتَّانَ!!

لأن المخطيء فعل ذلك عن بصيرة وإدراك، وخاصة إذا كان يعلم عقوبة الذنب..
ولكننا اطَّلعنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمورٍ عجاب، قلَّ أن يجود الزمان بمثلها!
يروي أبو هريرة > فيقول: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏إِذْ جَاءَهُ ‏‏رَجُلٌ‏ ‏فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ‏"مَا لَكَ؟" قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صلى الله عليه وسلم : " ‏هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟" قَالَ: لَا فَقَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟" قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ ‏صلى الله عليه وسلم ‏بِعَرَقٍ ‏‏فِيهَا تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ: ‏الْمِكْتَلُ - قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ؛ فَقَالَ‏ ‏الرَّجُلُ: ‏ ‏أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ ‏لابَتَيْهَا- ‏يُرِيدُ ‏ ‏الْحَرَّتَيِْ -‏ ‏أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ ‏صلى الله عليه وسلم ‏حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: "أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". البخاري: كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتُصُدِّقَ عليه فليُكَفِّر (1834)، ومسلم: كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان (1111)، الترمذي (724)، أبو داود (2390)، ابن ماجة (1671)، أحمد (7288).
إن الرجل قد أذنب ذنبًا عظيمًا، وجامع زوجته في نهار رمضان وهو مدرك للحُكْم، ويعلم أن ذلك يوجب كفارة، وبتعبير الرجل فإنه هلك لأنه أتى منكرًا عظيمًا، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم - برحمته الشاملة - لم يبدُ عليه أي انفعال أو غضب، إنما أخذ يُعدد عليه وسائل الكفارة، والتي أبدى الرجل عجزه عن فعل أيٍ منها، فلم ينزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بل
جاء له بتمر صدقةٍ أتاه، وقال له: خذ هذا التمر وكفِّر به عن ذنبك، وأنفقه على فقير، فقال الرجل قولاً عجيبًا، لقد قال: إنه أفقر أهل المدينة، ولذلك فهو يطمع أن يأخذ هو التمر!!!
ماذا كان رد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الرجل لا يريد أن يُكفِّر عن ذنبه بأيِّ طرق الكفارة؟!
وماذا كان رد فعله عندما عرض الرجل أن يأخذ هو - وهو المخطيء المذنب - تمر الصدقة له ولأهله؟!
إنه "ضحك" صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه!! ثم أعطاه التمر، وقال: "أطعمه أهلك!!"
هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أين من يتهمون الإسلام بالتشدد، ويصفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإرهاب؟!
هل توقع فقير في بلد من البلاد، أو في زمن من الأزمان أن يعامله حاكم بلده بهذه الطريقة الرحيمة؟!
وموقف آخر عجيب..
إنه موقف رجل أفشى سرًا عسكريًا خطيرًا للدولة الإسلامية، كان من الممكن أن يكون له أشد الأثر على أمنها واستقرارها!
إنه موقف حاطب بن أبي بلتعة الذي أرسل رسالة إلى مشركي مكة يخبرهم فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهَّز جيشًا لفتحها، مخالفًا بذلك أوامر القائد الأعلى للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومُعرِّضًا جيش المسلمين لخطر عظيم!!
كيف يكون رد الفعل المناسب في أية دولة في العالم؟!
إن القتل هنا عقاب مقبول جدًا مهما كانت ملابسات الحدث.. وهذا ما رأينا بعض الصحابة يقترحه..
لكن ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
إنه بعد أن أمسك بالخطاب الخطير، وعلم ما فيه أرسل إلى حاطب وسأله في هدوء: "‏يَا ‏ ‏حَاطِبُ،‏ ‏مَا هَذَا؟"
قَالَ حَاطِبُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً ‏مُلْصَقًا ‏فِي ‏قُرَيْشٍ، ‏‏وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ ‏ ‏الْمُهَاجِرِين ‏لَهُمْ قَرَابَاتٌ‏ ‏بِمَكَّةَ ‏يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ؛ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم ‏: ‏"لَقَدْ صَدَقَكُمْ" قَالَ‏ ‏عُمَرُ: ‏‏يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ‏ بَدْرًا؛ ‏وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ‏ ‏فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شئتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
إن المبرر الذي ذكره حاطب قد لا يقبله الكثيرون، بل إن عمر بن الخطاب > - وكلنا يعلم ورعه وفطنته وعدله - لم يقبله، ورأى أن يُقتَل بهذا الجُرم، فكيف يسوغ أن يحاول حماية أهله على حساب جيش كامل، ثم كيف يعصي أمرًا مباشرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
ومع كل هذا إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمه رحمة واسعة، وقبل منه عذره في صفح عجيب، وعذره، ولم يوجه له كلمة لوم أو عتاب، بل إنه رفع من قدره، وقال لعمر - وعمر يعلم ذلك -: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ‏ بَدْرًا؛ ‏وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ‏فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شئتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ!!" البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس (2845) ، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر (2494)، الترمذي (3305)، أبو داود (2650)، أحمد (600).
إن العدل شيءٌ، والرحمة شيء آخر..
إن العدل قد يقتضي أن يُعَاقَب حاطب بن بلتعة بصورة أو بأخرى، ولكنَّ الرحمة تقتضي النظر إلى الأمر بصورة أشمل، فنرى مَن الذي فعل الفعل، وما هو تاريخه، وما هي سوابقه المماثلة، وما هي أعماله السالفة، وهل هو من أهل الخير أم من أهل الشر، وما هي الملابسات والخلفيات لهذا الحدث..
إن الرحمة تقتضي عدم الانسياق وراء عاطفة العقاب، ولكن البحث الحثيث عن وسيلة تخرج صاحب الأزمة من أزمته..
العدل درجة عظيمة.. ولكن الرحمة أعظم!!
الفرق بين الاثنين تلحظه في قول الله تعالى: "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ" أحمد (25341)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، والبخاري في الأدب المفرد (308)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4811).
من العدل أن يأخذ الله عباده بذنوبهم، ومن الرحمة أن يؤخرهم إلى أجل مسمى..
تلحظ الفرق بين الاثنين في قوله تعالى أيضًا: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخذ هذا النهج طريقة ثابتة في حياته.. لقد كان مطبقًا لأخلاق القرآن وأوامره دون تفريط ولا تضييع..
لقد كان تمامًا كما وصفته عائشة أم المؤمنين < عندما سُئِلَتْ عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خُلُقه القرآن، أما تقرأ القرآن قول الله عز وجل: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ".
وقد يقول قائل: إذا كانت رحمته بهذه الصورة فلماذا كان يرجم الزاني المحصن ويقطع يد السارق ويقتل القاتل؟! أليس من الرحمة أن يعفو عنهم؟!
وهذه النقطة سوف نتكلم عنها إن شاء الله بتفصيل أكبر في الباب الرابع من هذا البحث ولكن هنا نشير إلى نقطة مهمة تغيب عن أذهان أصحاب الشبهات، وهي أنهم ينظرون بعين الرحمة إلى المُذنِبِ، ولا ينظرون بعين الرحمة على
المجتمع الذي عانى من ذنبه، فإذا نظرت بعين المحلِّل المتجرِّد من الهوى وجدت أن كل الحدود التي فرضها رب العزة سبحانه وتعالى قد فُرِضَت على جرائم تؤثر سلبًا على المجتمع، وقد يعانِي منها صاحبُ الشبهة شخصيًا، ولو عانى منها لكان رأيه مختلفًا، فلا شك أنه لو سرق أحدٌ رأس ماله، وثمرة جهده لتمنى عقابه بأقسى عقاب، ولو اعتدى أحدهم على ابنته أو زوجته أو أُمِّه لسعى إلى قتله بنفسه قبل المحاكم، وهكذا..
فالحدود شُرِعَتْ رحمةً بالمجتمع، وترهيبًا لعموم الناس أن ينخرطوا في طريق الجريمة، وهذه رحمة بهم أيضًا من وجه آخر، ثم هي كَفَّارة عن الذنب الذي فعله العبد، ومن ثم يُهَوِّن عليه من حساب الآخرة وهو أَشَقُّ وأَشَدُّ..
روى عبادة بن الصامت > أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ليلة العقبة: "تَعَالَوْا بَايِعُونِي ‏ ‏ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا ‏بِبُهْتَانٍ ‏تَفْتَرُونَه بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ؛ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ قَالَ:‏فَبَايَعْتُهُ ‏‏عَلَى ذَلِكَ" البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة (3679)، ومسلم: كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها (1709)، والترمذي (1439)، والنسائي (4161)، وأحمد (22720)، والدارمي (2453).
فتطبيق الحدود - والتي تبدو قاسية - رحمة للمجتمع، ورحمة لأنها تمنع الناس من ارتكاب الجرائم، ورحمة كذلك لأنها تكفِّر الذنب عن فاعله..
ثم فوق كل ما سبق، وقبل كل ما سبق، هي أوامر من رب العالمين سبحانه وتعالى، واجبة التطبيق، والله عز وجل أعلم بما يُصلِحُ عبادَه وكونه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُطبِّق لقوانين الشريعة دون إفراط ولا تفريط، ولم يكن يطبِّق هذه الحدود على طائفة من الناس دون طائفة، ولا على قبيلة دون أخرى، إنما كان يُنفذ قانونًا عامًا يهدف لراحة وأمن الجميع، ولقد غضب غضبًا شديدًا عندما حاول بعض الصحابة ــ هو أسامة بن زيد صلى الله عليه وسلم ـــ أن يتوسَّط لامرأة ذات نسب من قبيلة بني مخزوم كي لا تُقطَعَ يَدُها في جريمة سرقة، وأصرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تطبيق الحد، وخطب خطبة بليغة وضَّح فيها منهجه في معالجة الجريمة، وكان مما قاله في هذه الخطبة: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ ‏‏فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ‏سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" البخاري: كتاب الأنبياء، باب "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم" (3288)، ومسلم: كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره (1688)، وأبو داود (4373)، والترمذي (1430)، والنسائي (4898)، وابن ماجة (2547)، وأحمد (25336)، والدارمي (2302)، وابن حبان (4402).
إن القانون عام، وفي باطنه رحمة واضحة جليلة لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد..
ثم إن الجانب الأروع والأجمل في المسألة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن متشوفًا إلى إقامة الحدود، ولا متمنيًا لرجم أو قتل أو قطع.. إنه كان يحاول قدر جهده أن يجد مخرجًا للمُذنِبِ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِيءَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِيءََ فِي الْعُقُوبَةِ" الترمذي (1424)، والبيهقي في سننه الكبرى (16834)، والحاكم (8163)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

مالك في الموطأ برواية يحيى الليثي (1499)، وبرواية محمد بن الحسن الشيباني (700) أبو داود (4377)، أحمد (21945)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره وهذا إسناد حسن، والحاكم (8080)وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.
ألا ما أروع هذا الكلام، وما أرحمه!!
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتصيَّد الأخطاء للمذنبين، بل إنه يتغاضى عن الأمر تمامًا إن لم تكن البينة واضحة، والدليل كافيًا..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ" أبو داود (4376)، والنسائي (4886)، والبيهقي في السنن (17389)، وقال الشيخ الألباني: حسن (2954) في صحيح الجامع..
يقول السيوطي تعليقًا على هذا الحديث: "أي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إليَّ فإني متى علمتها أقمتها"] نقل هذا القول محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب في عون المعبود في شرح سنن أبي داود 12/27.
وهذا المعنى وضح في موقف صفوان بن أمية > عندما رفع أمر رجل سرقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يد السارق وذلك تطبيقًا للحد، فَقَالَ ‏صَفْوَانُ:‏ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُرِدْ هَذَا رِدَائِي عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صلى الله عليه وسلم : فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ"النسائي (4884)، وابن ماجة (2595)، وأبو داود (4394) أحمد (15338)، ومالك في الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني (684)..
إنها دعوة رحيمة صريحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية وإلى عموم المسلمين أن يجتهدوا في تعافي الحدود فيما بينهم، وألا يرفعوا الجرائم إليه إلا في آخر المطاف..
وقد حدث في قصة ماعزــــ ماعز بن مالك الأسلمي، معدود في المدنيين، وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه، وهو الذي رُجِم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزأت عنهم. الاستيعاب 1/418، الإصابة الترجمة (7586)، وأسد الغابة4/216.ـــ
ما يؤيد ذلك؛ لأن رجلاً من الصحابة اسمه هزَّال ـــ هو الذي دفع ماعز إلى الاعتراف بجريمة الزنا، فلما أصرَّ ماعز على الاعتراف بالجريمة رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ماعزًا كان محصنًا، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع الأمر يمر دون أن ينصح لهزّال - والأمة من بعده - قائلاً: "‏وَاللَّهِ يَا ‏هَزَّالُ لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ". هزَّال بن يزيد بن ذئاب الأسلمي له صحبة، ووقع ماعز على جاريته؛ فقال له هزال: انطلق فأخبر رسول الله فعسى أن ينزل فيك قرآن؛ فانطلق فأخبره فأمر به فرجم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو سترته بثوبك لكان خيراً لك. الإصابة الترجمة (8952).
وما دمنا قد ذكرنا أمر ماعز فما أجدرنا أن نعرَّج على قصته لنرى رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رُفع له أمر رجل زنى وهو متزوج..
يروي بُريدة بن الحصيب فيقول: جَاءَ ‏مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ ‏إِلَى النَّبِيِّ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏طَهِّرْنِي،; ‏فَقَالَ:‏ ‏وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏طَهِّرْنِي، ‏فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم : ‏وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏طَهِّرْنِي؛ ‏فَقَالَ النَّبِيُّ ‏صلى الله عليه وسلم : ‏مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟ فَقَالَ: مِنْ الزِّنَى؛ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صلى الله عليه وسلم :‏ ‏أَبِهِ جُنُونٌ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ فَقَالَ: أَشَرِبَ خَمْرًا؟ فَقَامَ رَجُلٌ ‏فَاسْتَنْكَههُ ‏‏فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صلى الله عليه وسلم : أَزَنَيْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ" مسلم: كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى (1695)
. مالك في الموطأ برواية يحيى الليثي (1499)، وبرواية محمد بن الحسن الشيباني (700) أبو داود (4377)، أحمد (21945)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره وهذا إسناد حسن، والحاكم (8080)وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.
إننا نرى هنا موقفًا من أعظم مواقف الرحمة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه موقف رجم لإنسان، وهو أمر شديد ولا شك..
إن ماعزًا جاء ليعترف بالزنى ليقام عليه الحد، جاء معترفًا دون أن يُكرهه أحد، لقد جاء تائبًا مقرًا بذنبه يريد أن يتخلص منه في الدنيا قبل حساب الآخرة، والحدود كفارة كما ذكرنا قبل ذلك، وقد جاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً له: طهرني، وقد شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوهلة الأولى أن الرجل قد ارتكب ذنبًا عظيمًا، فلا شك أن هذا كان باديًا على قسمات وجهه، وعلى نبرات صوته، لكنَّه مع ذلك لم يسأله عن ذنبه، ولو من باب الفضول، فإنه أراد أن يتكتم عليه لئلَّا يقيم عليه حدًا، وهذا من رحمته العظيمة صلى الله عليه وسلم ، ولكن ماعزًا كان مُصِرًا على الاعتراف، وصرَّح في المرة الرابعة بذنبه، ومع ذلك لم يتلقف رسول الله صلى الله عليه وسلم منه الاعتراف كما يحدث في كثير من بلاد العالم ويسجله عليه، بل راجعه أكثر من مرة ليتراجع، وذلك رحمة به، فسأل عن عقله: هل به جنون؟ فقالوا: لا، فسأل عن شربه للخمر فلعله قد أذهب عقله فاعترف بما لم يفعل، وحد الخمر أهون من حد الزنا للمحصن، ولكن ماعز لم يكن شاربًا للخمر..
إنها محاولات حقيقية من رسول الله لدرء الحد، والتجاوز عن ماعز، بل إنه صلى الله عليه وسلم - في روايات أخرى - التفت إلى قوم ماعز وسألهم: " أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؛ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا ‏ ‏وَفِيَّ ‏ ‏الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى" مسلم: كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى (1695)..
وفي رواية أخرى حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجد له مخرجًا حتى بعد اعترافه بالزنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: " لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ بعينك أو بيدك بمعنى "لمست".. انظر فتح الباري 12/135. أَوْ نَظَرْتَ؟ قَالَ: لَا " البخاري: كتاب المحاربين من أهل الكفر والرِّدَّة، باب هل يقول الإمام للمُقِرِّ: لعلك لمست أو غمزت (6324)، وأبو داود (4427)، أحمد (2433)..
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في نفسه لعل ماعزًا لم يَزْنِ حقيقةً، ولكنَّه تأول بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يشير فيها أن العين إذا نظرت نظرًا مُحرَّمًا فهو نوع من الزنا، وكذلك اليد وباقي الأعضاء، وذلك مثـل قوله صلى الله عليه وسلم : "‏إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ ‏آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ؛ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ" البخاري: كتاب الاستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج (5889)، ومسلم: كتاب القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره (2657)، وأبو داود (2152)، وأحمد (7705)...
ومن هنا سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأسئلة محاولاً إخراجه من أزمة إقامة الحد عليه..
وأُقِيمَ الحد على ماعز كما قضت الشريعة، فرُجِمَ بالحجارة..
أو لعله مناسبًا وحقيقيًا أن نقول: أقيم الحد على ماعز كما تمنَّى هو وأراد.. إن الشريعة الإسلامية رحمة كلها، وليست الشريعة حدود صارمة لا قلب لها ولا عاطفة، ولكنها منظومة كاملة، وكما كان في هذه المنظومة إقامة الحدود للردع، كان فيها تربية الشعب على التقوى ومراقبة الله عز وجل، حتى يصل الأمر على أن يأتي الزاني المحصن ليعترف بجريمته ويُرجَمَ مع أنه ليس عليه شهود!!
وهل وقفت قصة ماعز عند هذا الحد؟!
في الحقيقة لقد بقيت نقطتان مهمتان أود الإشارة إليهما، ولهما علاقة وثيقة بموضوعنا..
أما النقطة الأولى فهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ليلاً في اليوم الذي رُجِمَ فيه ماعز..إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه يقرأ الشبهات التي من الممكن أن تثار حول الحدث، ولا شك أنه أدرك أن هناك في المدينة، أو في الدنيا بعد ذلك من سيشفق على ماعز، ويقترح عدم إقامة الحد ما دام قد أعلن توبته وجاء نادمًا، ولكن أنَّى لنا أن ندرك صدق التوبة من كذبها!! إن التوبة عمل قلبي بين العبد وربه، ولو لم يُقَمِ الحدُّ عند ثبوت الجريمة بدعوى توبة الفاعل لكان هذا داعيًا لكل المجرمين أن يأتوا ما شاءوا من الجريمة ثم يعلنوا - صدقًا أو كذبًا - أنهم قد تابوا..
لقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة نبَّه الناس فيها إلى أن الموقف المأساوي الذي تعرَّض له ماعز عندما رُجِمَ لا يجب أن يصرف الناس أو يلهيهم عن الجريمة التي تمت.. لقد اعتدى ماعز على حرمة امرأة، واعتدى على حرمة البيت الذي خرجت منه، واعتدى على حُرمَة زوجها أو أبيها أو أخيها، واعتدى على حرمة المجتمع.. إن هذا فاحشة مبينة لو تخيلتها تحدث مع بعض ذويك ومحارمك لطالبت فورًا برجم الفاعل، ثم إن هذه الجريمة قد تنتج طفلاً بريئًا - وهذا قد حدث فعلاً في قصة ماعز - سيظل معذَّبًا طيلة عمره، مع أنه لم يرتكب شيئًا..إن آثار جريمة الزنا وخيمة على المجتمع بكامله.. وآهٍ لو سرت الفاحشة في مجتمع المجتمعات، وراجِعوا إحصائيات أولاد الزنا في المجتمعات الغربية الآن، بل راجعوها في المجتمعات الإسلامية التي لا تطبق شريعة رب العالمين.. إن الأمر جد خطير، والقضية لا تحتمل تهاونًا أو تفريطًا..
لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية هذا الحدث الكبير ليعلق أمام الجميع أن الحد قد أقيم رحمة بالمجتمع، ورحمة بالإنسانية، ولم يكن الفرض منه قسوة بإنسان، أو تشهير بمذنب..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته: "‏أَوَ كُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا لَهُ ‏‏نَبِيبٌ نبيب: صوت التيس عند الجماع. كَنَبِيبِ ‏التَّيْسِ!! عَلَيَّ أَنْ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا‏ ‏نَكَّلْتُ ‏‏بِهِ" مسلم: كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا (1694)، وأبو داود (4422)، وأحمد (20822)، والدارمي (2316)، وابن حبان (4436)..
لقد كانت كلمات في منتهى التوفيق والروعة والحكمة!!
إنه صلى الله عليه وسلم يطلب من الناس أن يَحْكُموا عواطفهم بعقولهم..
إنه يصور موقفًا لا تطيقه نفس بشرية..
يعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة قاسية قد يتعرض لها أي فرد في المجتمع إذا سرت فيه الفاحشة..الناس يخرجون في عمل نبيل شريف، وهو الجهاد في سبيل الله، دفاعًا عن حقوق الشعب بكامله، وحرصًا على كرامة الأمة بكاملها، فإذا بأناس قد غدروا بهم، ولم يقدروا حرمتهم، فانتهزوا فرصة غيابهم، وسطوا على أعز ما يملكون وسطوا على شرفهم، واعتدوا على نسائهم..
يا للجريمة البشعة!
ثم هو يشير بالتصريح إلى أن هذه الجريمة قد تحدث مع أي إنسان في المجتمع حتى مع هذا الذي أخذته الشفقة على المجرم.. إنه يقول صلى الله عليه وسلم : "تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا" إنهم عيالنا.. إنهم نساؤنا.. إن المصيبة تخصنا..
نحن الذين سندفع ثمن انتشار الرذيلة لا غيرنا..
ويشير رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا في كلمته أن الذي يفعل هذا الجرم الشنيع يفعله متشبهًا بالحيوانات، "لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ ‏التَّيْسِ"، فقد تجرد في لحظة الفعل من كل مشاعر الإنسانية، فلا تأخذكم به رأفة..
وأخيرًا فإنه يُعلن في منتهى الصرامة أن الذي سيأتي هذا الفعل الشنيع سيكون عقابه نفس العقاب دون تهاون..
إنه ليس حق رسول الله صلى الله عليه وسلم الشخصي حتى يفرط فيه أو يتنازل عنه، إنه حق الله أولاً، وحق المجتمع والشعب ثانيًا، وسوف ينفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم كائنًا في ذلك ما هو كائن..
كانت هذه هي النقطة الأولى التي أحببت أن أشير إليها بخصوص قصة ماعز..
أما النقطة الثانية فرائعة أيضًا!!
كيف كان الوضع في المدينة المنورة بعد هذا الحدث المهم؟! وماذا كان رد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للجدال الذي دار بين الناس بعد ذلك؟!
يقول بُريدة عنه: " ‏فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ (أي في ماعز) قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ‏ ‏مَاعِزٍ ‏‏أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ. قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ ‏‏أَوْ ثَلَاثَةً، ‏ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صلى الله عليه وسلم وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا ‏ ‏لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ‏. ‏قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللَّهُ ‏لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. ‏قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم ‏: ‏لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ" مسلم: كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا (1695)، والدار قطني (39)، والطبراني في الأوسط (4843)،.
الله أكبر!!
إننا لا نستطيع بحال من الأحوال أن نحيط برحمته صلى الله عليه وسلم ...
إنه مع كراهيته الشديدة للفعل، ومع نهيه المستمر للناس أن يفعلوا مثلما فعل ماعز، ومع تحذيره من تكرار الأمر، مع كل ذلك لا يتردد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعلن أمام الناس جميعًا أن الله عز وجل قد غفر لماعز خطيئته!
لا يتردد أن يطلب من الناس أن يستغفروا له!!
إنه لا يحق للناس أن يخوضوا في عرضه مادام الحد قد أقيم عليه، ومادام قد أعلن توبته أمام الجميع..
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقف آخر يدافع عن ماعز دفاعًا كبيرًا رحمةً له ورأفةً به..
يقول أبو هريرة: "سَمِعَ النَّبِيُّ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِل بِرِجْلِهِ؛ فَقَالَ: أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ فَقَالَا: نَحْنُ ‏‏ذَانِ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ؛ فَقَالَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا؟!! قَالَ: فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ‏ يَنْقَمِسُ ينقمس: ينغمس ‏فِيهَا!" أبو داود (4428)، والبيهقي في شعب الإيمان (6712)، وابن الجارود في المنتقى (814).
ولا أفضل من ختام لهذا المبحث من قول ربنا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
يماني
يماني
عضو نشيط
عضو نشيط

عدد المساهمات : 34
نقاط : 337575
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 09/02/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى